المواطن/ كتابات – فهمي محمد
على إثر انتخاب مقبل أمين عام للحزب الاشتراكي من قبل أعضاء المكتب السياسي المتواجدين في صنعاء ، كان على الاشتراكيين في سلم الهرم الحزبي في المحافظات والمديريات أن يعيدوا البناء الحزبي من موقع المسؤولية ، وقد كانت منظمة الحزب الاشتراكي في مشرعه وحدنان أول المنظمات التى إستعادة عافيتها الحزبية ، ودورها السياسي ، على مستوى اليمن بشكل عام باستثناء منظمة الضالع ،
لكن المفارقة أن هذه المنظمة الحزبية التي تقع في مديرية تتوسط جبل صبر بعد أن استعادة جاهزيتها أرادت أن تعبر عن حضور الحزب واستعادة دوره بشيء من التحدي ، الذي تمثل في اتخاذ قرار تاريخي يتعلق بتنظيم مهرجان جماهيري وخطابي وكرنفالي أشبه بالعرض العسكري ، حضره الأمين العام واعضاء المكتب السياسي للحزب .
بدأت الفكره يومها لبعض الرفاق غير مقبوله لكونها لا تخلوا من الاستفزاز للنظام الحاكم ، لكن الحماس حول الفكرة المتداولة الى قرار تاريخي شجاع سارع الرفاق في تنفيذه وذلك بدعوة شباب الحزب في المنظمات القاعدية للحضور والتدريب على العرض العسكري في مقبرة الطيب الممتدة الى ساحة مدرسة الفتح مشرعة .
كان الرفيق سلطان سيف حزام يقف يومها على قيادة الحزب بعد إختياره خلفا لرفيق عبد الواحد عبدالله على ، والى جانب سلطان حزام كان يقف عدد من القادة التاريخيين المنحدرين من زمن العمل السري، أمثال الرفيق محمد غالب ، عبدالسلام محمد سعيد ، على عبدالله ، آمين على الحاج ، عبدالله غالب ناجي ، سلطان حيدرة وآخرين ، وقد تولى الاول بعد ذلك قيادة الحزب خلفا لرفيق سلطان حزام وهو من قاد يومها منظمة الحزب في المديرية إلى النجاح في أول انتخابات محلية وفي أول تجربة لمجلس التنسيق الاعلى للمعارضة ، ثم تولى الثاني سكرتير اول للمديرية ، خلفا لرفيق عبدالحكيم حميد الذي تولى قيادة الحزب لدورة انتخابية قاد خلالها الحزب إلى النجاح في الانتخابات المحلية الثانية في أول تجربة للقاء المشترك ، كنت يومها قد أصبحت سكرتير ثاني لمنظمة الحزب في المديرية .
تم التواصل يومها مع سكرتارية المحافظة التي كان يقف على رأسها الرفيق المناضل محمد حمود الحكيمي ، بهدف التواصل مع الأمين العام وطرح الفكرة عليه ، وقد تمت الموافقة من حيث المبدأ على حضور المهرجان من قبل الرفيق المناضل على صالح عباد مقبل وهو ما أدى إلى زيادة الحماس والإصرار على ضرورة إنجاح مثل هذه الفعالية مهما يكن الثمن المدفوع .
كان شباب الحزب المتدربين لا تزيد أعمارهم عن العشرين عام ، كنت يومها أحد المتدربين وقد تم اختياري الدليل في كتيبة فتاح التي سوف تتقدم العرض يوم المهرجان في حضرت المناضل التاريخي مقبل ، ثم تأتي بعدها في العرض كتيبة عنتر، وشائع ، ومصلح، وسالمين، وعبود ، ولبوزه ..الخ .
استمر التدريب قرابة شهر تحت اشراف الرفيق سلطان عبدالله قاسم أحد العسكريين الذي تم تسريحهم من لواء المظلات بعد خروج عبدالله عبد العالم من اليمن على إثر اغتيال الرئيس الحمدي ، لكن المفارقة أن عدداً من هؤلاء الرفاق الذي شاركوا في العرض في حضرت مقبل كانوا أول من خرجوا في ثورة 11/فبراير في العاصمة صنعاء أمثال سميح الوجبة وجميل الوجيه ومحمد قائد وكمال محمد وعارف قاسم وآخرين ومنهم من استشهد أبان اقتحام ساحة الحرية بتعز ، مثل الشهيد فاروق النقيب ، والبعض منهم اصبحوا اليوم موزعين بين شهيد ومرابط في مواجهة الانقلاب .
تزامن التدريب للعرض مع الاعداد الإعلامي والسياسي والمادي اللازم للمهرجان وتم توزيع الدعوات لكبار الضيوف ، وعلى غير المتوقع تم التواصل من قبل سكرتارية المحافظة بخصوص اعتذار الأمين العام مقبل عن حضور المهرجان وكان ذلك قبل أربع او خمس ايام من يوم المهرجان، تم التحفظ على هذا الخبر المحبط ، لاسيما علينا نحن الشباب المتدربين والحالميين بالعرض أمام قائد سياسي ومناضل إستثنائي بحجم على صالح عباد مقبل .
كانت التقارير المرفوعة الى اجهزت النظام الحاكم ، إدارة الأمن والمديرية والمحافظة عن ما يفعله الاشتراكيين في مشرعة وحدنان قد وصلت إلى مركز القرار على مستوى عالي في قيادة السلطة التي أزعجها ذلك ، وقد وصل ما يعني إشارة سلبية بهذا الخصوص إلى الأمين العام الذي اعتذر حرصاً على قيادة الحزب في المديرية ، وقد سمعت ذلك شخصيا فيما بعد من الرفيق اديب قحطان مدير مكتب الأمين العام عندما كنت ضيف عليه في صنعاء
لم يكن قرار الاعتذار مقبول لدى الرفاق في قيادة الحزب بالمديرية باي شكل من الأشكال ، لاسيما وقد تم تداول الخبر في أوساط المجتمع عن حضور الأمين العام في المهرجان الذي يتم الاعداد له ، وهو ما أدى إلى سفر الرفاق محمد غالب وعبد السلام محمد سعيد ، وعلى عبدالله قاسم ، الى العاصمة صنعاء لمقابلة الأمين العام في مقر اللجنة المركزية ، وأثناء المقابلة أكد لهم مقبل أنه لا شيء يمنعه عن الحضور سوى الخوف عليهم فقط ، أما هو فقد سبق وأن أعد كلمته للمهرجان حسب قوله ، وبعد إصرار الرفاق على ضرورة نزول الأمين العام قطع مقبل وعده القاطع بالحضور في الموعد المحدد .
عاد الرفاق الى المديرية في اليوم الثاني حاملين نشوة الخبر وأستمروا في إستكمال التحضير للمهرجان ، ثم بعدها سافر الأمين العام إلى تعز قبل موعد المهرجان بيوم وفي نفس اليوم او قبلها سافر الرفيق يحي الشامي والرفيق محمد غالب احمد أعضاء المكتب السياسي للحزب الى تعز ، ولم يتم السفر بشكل جماعي لدواعي أمنية ، وقد كان الحال كذلك أثناء السفر الى المديرية صبيحة يوم المهرجان ، فقد توجه الأمين العام برفقة الرفيق امين مرعي الى المديرية عن طريق صينه ، بينما سافر يحي الشامي برفقة الحكيمي عن طريق صبر الموادم ، لحقهم بعد ذلك الرفيق محمد غالب احمد مع بعض الرفاق من نفس الطريق .
كان التدريب والإعداد في عزلة مشرعه وفي المقابل تم اختيار ساحة العرض والمهرجان في حدنان وعلى وجه التحديد الساحة الواقعة بين الخط العام وقرية المنارة ، والتي نُصبت فيها منصة الحفل قبل المهرجان بيوم ، وتم حراستها في اليل من قبل بعض أعضاء اللجنة الأمنية للمهرجان التي اُسندت قيادتها لرفيق عبد الجبار احمد الحاج ، احد الرجال الشجعان الذين سافروا في الماضي الى فلسطين متطوعين في القتال ضد الاحتلال الصهيوني .
كان يوم المهرجان يوم استثنائياً في المديرية بكل ما تعنيه هذه الكلمة ، تحركت الطلائع التي تحمل أسماء رموز الحزب والثورة بخطوة عسكرية في الطريق العام على إيقاع الآلة التقليدية بقيادة منصور عبيد ، حيث بدأ التحرك في الصباح الباكر من مكان التدريب في مشرعه الى ساحه المهرجان في حدنان بمسافة تقدر بثلاثة كليو متر ، وكانت جماهير الحزب والضيوف يسيرون خلف الطلائع في حشد جماهيري لم تشهده المديرية من قبل ، وصلت الطلائع والجماهير الى ساحة المهرجان وقد اصطفت الجماهير الحزبية مع الضيوف في المكان المخصص لها ، بينما وقفت الطلائع وسط الساحة في وضع الجاهزية والإستعداد للعرض الذي سُجل يومها في ذاكرت الساسة الكبار والتاريخيين .
وصل الأمين العام إلى ساحة المهرجان ، ثم وصل أعضاء المكتب السياسي ، وقد نقل الضيوف اعتذار المناضل جار الله عمر عن الحضور كونه مشغول بمهة خارج الوطن ، كما وصل عدد من المناضلين في لجنة المحافظة وفي سكرتاريتها أمثال الرفيق صالح شمسان والرفيق المرحوم عمر عبدالله طاهر ، والرفيق عبد الجليل عثمان ، والرفيق عبد الملك هزاع ، وكذلك الدكتور عمر اسحاق مع بعض الطلاب .
بدأت فعاليات المهرجان وألقى المناضل مقبل خطابه الناري والشجاع نشرته صحيفة الثوري مع تغطية شاملة للمهرجان والجلسة المسائية ، بتحرير وتغطية الصحفي عرفات مدابش الذي كان حاضراً مع الأمين العام ،
بعد ذلك تقدم الرفيق على مهيوب الذي أصبح فيما بعد سكرتير اول للمنظمة أبان اقتحام مليشيات الانقلاب للمديرية، بخطوات عسكرية طالباً الإذن من الأمين العام مقبل ببدء العرض الذي بدأ وكأنه عرض عسكري دون حمل سلاح ، وقف الأمين العام وبدأ العرض بدقة عالية وبخطوات منتظمة ، ادهشت الحضور ، وقد ظلت ذاكرت المناضل مقبل واعضاء المكتب السياسي صداحة بهذا العرض الشبابي وبهذه الفعالية الاستثنائية في مشرعة وحدنان المديرية التي ردت الإعتبار للحياة السياسية ودشنت بعد حرب 1994/ بعامين ونصف بدء مرحلة الحشد الجماهيري والحزبي المعارض للنظام الحاكم في صنعاء حيث بدأ هذا الأخير يشهد بذور صراعا خفياً بين حلفائه في حرب 1994/م ، وهو الصراع الذي اتسع خرقه على الراقع من بعد انتخابات 1999/ وحتى ثورة الشباب 2011/ م .
بعد انتهاء المهرجان توجه الجميع في مسيرة العودة ، وفي منتصف الطريق توجه الأمين العام مع أعضاء المكتب السياسي وقيادات المحافظة وكبار الضيوف في المديرية إلى قرية القُبله الملقبة يومها ” بكوبا ” حيث اُلقيا على عاتق منظمة الحزب في تلك القرية بقيادة الاستاذ جمال النقيب واجب الضيافة والإعداد لمستلزمات الجلسة المسائية بما في ذلك تجهيز شبكة اف ام ، وتوصيلها الى عدد من المنازل الكبير التي سوف تستقبل الرفاق والضيوف في جلسة المقيل ، وقد بدأ الحضور كثيفاً من أعضاء الحزب وبعض قيادة الأحزاب السياسية والشخصيات الاجتماعية .
حاولت يومها أن أصل إلى منزل الرفيق عبدالعزيز الحاج الذي عد يومها لاستقبال الأمين العام وكبار الضيوف ، لكني لم اتوفق بذلك ، اكتفيت بعدها بالجلوس في منزل على الحاج والد الصديق محبوب والرفيق أمين على الحاج الذي يشغل اليوم سكرتير اول للحزب في المديرية ، وقد سمعت وقائع الجلسة عبر مكبرات الصوت الموزعة في البيت والمتصلة عبر شبكة اف ام .
تحدث مقبل وقال كل شيء عن الوضع السياسي بكل شجاعة ، اتذكر ما قاله بالحرف ” اذا كان صالح قد اخرجنا من السلطة بقوة السلاح فإن الشعب سوف يسقطه بال…… ” وقد صدقت نبوءة مقبل قبل أن تغمض عيناه ، بعدها تحدث الرفيق المناضل يحي الشامي ثم الرفيق المناضل محمد غالب ، ثم بعد ذلك ادلا قادة الأحزاب بدلوهم في الحديث عن الوضع، اتذكر منهم عبدالله جسار ، الذي كان يومها امين سر المنطقه وعضو الجنة المركزية لتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري .
على غروب شمس ذلك اليوم الاستثنائي والكبير انتهت الفعالية وعاد الأمين العام مع الرفاق من حيث أتوا بعد أن وقع على شهادة التقدير للمشاركين في العرض مازلت احتفظ بتلك الشهادة لليوم ، لكن مع عودهم هذه كان الرفاق جميعاً وفي مقدمتهم مقبل يحملون مشاعر الاعجاب والاعتزاز تجاه رفاقهم المناضلون في هذه المديرية ، وقد صرح مقبل بذلك في عدد من المناسبات ، بل وكلما كان يلتقى بأحد الرفاق أو الشخصيات من أبناء هذه المديرية .
ماحدث لم يرق بالمطلق للنظام الحاكم لاسيما وقد مُنح الاشتراكيين بموجبه زخماً معنوياً ونضاليا شعرنا به نحن الشباب قبل غيرنا ، لذلك قرار النظام الحاكم تنظيم مهرجان جماهيري في نفس المديرية وعلى نفس الساحة التي اقام فيها الاشتراكيين حفلهم ، لكن المنظمين فشلوا بعد ذلك في تنظيمه في ساحة حدنان فتم نقله عشية المهرجان الى مدرسة شعيب في قرية المجيرين ، حضر هذا الحفل الرئيس صالح وعدد من الوزراء والشيخ حميد الاحمر ، ومحافظ تعز وعدد من قيادات السلطة والجيش والأمن والمشايخ في المحافظة ، وقد توزع يومها رجال الجيش والأمن على كل التباب والمرتفعات المطله على القرية .
كنت أحد الحاضرين في المهرجان وقد اخترت مكان مرتفع للمشاهدة ، على أحد المدرجات الزراعية المحيطة بالساحة ، لم يكن المهرجان منظم كما هو متوقع في حضرت رئيس جمهورية نتيجة تغيير المكان بشكل عاجل وعشوائي ، الشيء المثير فيه هو هيْلمان السلطة الذي يتسرب الى داخلك على شكل قلق يصنعه رجال الأمن والجيش ، لكن المضحك في المهرجان هو صعود عبدالرحمن الرميمة إلى منبر الحفل وتقديمه للإستقالة من قيادة حزب الحق وإعلانه الإنضمام مع جميع اعضاء الحزب إلى صفوف المؤتمر الشعبي العام إكراماً لقدوم الرئيس صالح الى مديرية مشرعة وحدنان .